Friday, July 8, 2016

السمع المقارن في الموسيقى



  يعتبر البحث المقارن أحد المناهج العلمية التي تدرس موضوعين-أو أكثر- يدخلان تحت اطار علم محدد بغرض التوصل الى عقد مقارنة بينهما لمعرفة خصائص كل موضوع عن الآخر، كدراسة المقارنة بين نظام الفصل بين السلطات في الدستور الكويتي والدستور الأردني ... إلخ.
محمد عبدالوهاب

   وأعتقد أنه لو طبقنا هذا المنهج في الموسيقى عبر السمَع والتحليل للأعمال الفنية المختلفة سيتكوّن لدى المستمَع معرفة جيدة في المستمَع، فضلاً عن التمتع والتلذذ فيها، وبالتالي إدراك الشخصية الموسيقية لمنبعها الذي أوجدها وهو الإنسان نفسه أي الفنان .

بليغ حمدي
   فمثلاً لو عقدنا مقارنة بين أسلوب كل من محمد عبدالوهاب وبليغ حمدي في مسألة الاقتباس من الموسيقات الأخرى وكيفية التأثر منها، سنلاحظ ان عبدالوهاب نهل من الموسيقى اللاتينية ايقاع التانكو والرومبا والسامبا واستخدمها في أعماله ألحانه (سهرت، جفنه، انا وحدي يا ليل سهران)، أما بليغ يأخذ ألحان من التراث الغنائي الشعبي الصعيدي ويبني عليها مقدمة موسيقية وفواصل ولزم وكوبليهات غنائية (ميتى أشوفك، سلم علي) .

محمد عبدالوهاب ومصطفى اسماعيل




   أما عند المشايخ (قراء القرآن والمبتهلين)، اذا قارنّا بين أسلوب الشيخين مصطفى اسماعيل وطه الفشني عند قراءة القرآن من ناحية السير المقامي-باعتبارهما من جيل واحد (مواليد مطلع القرن العشرين وتوفيا في السبعينيات)- سندرك ان الشيخ مصطفى يسير بطريقة عمودية أي يبدأ من ركوز المقام ويصعد تدريجياً، كما قرأ أول خمسة آيات من سورة العلق، بدأ من قرار الراست حتى يصعد درجة درجة ووصل إلى جواب الراست (الكردان) "الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ" ثم قفل بإحكام حار نزولا إلى قرار الراست عند "عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ" . في أول دقيقة وربع من هذا التسجيل.
https://www.youtube.com/watch?v=q2DYNpTUIqE


 
الشيخ مصطفى اسماعيل
1978-1905
   أما الشيخ طه الفشني فأنه كثير التلوين المقامي، يدخل بسكة تلو الأخرى بطريقة أفقية ووصفه عمار الشريعي أنه "فُرجة " ، مثلما قرأ سورتي التين والشرح استعمل سبعة مقامات في سيره بشكل سلس وعفوي على النحو الآتي:
البسملة مقام الصبا.
وَالتِّينِ  وَالزَّيْتُونِ وَطُورِ سِينِينَ   وَهَـذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ  مقام البياتي.
 ثم رجع ألى سورة الشرح
فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ انتقل عندها إلى الجهاركة.
وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَب مقام البياتي.
البسملة وَالتِّينِ  وَالزَّيْتُونِ مقام صبا.
وَهَـذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ  مقام بياتي.
لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ إلى الحجاز.
ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ  انتقل إلى الراست.


إِلَّا  الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ مقام كرد.
أَلَيْسَ اللَّـهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ  بياتي شوري.
وقفل صدق الله العظيم بالبياتي.


الشيخ طه الفشني
1971-1900

أمثلة على أسلوب السمع المقارن:
 1. قدم منير مراد عرض فكاهي اعتقد انه في غاية الذكاء، حيث تصوّر كيف يمكن ان الملحنين يقوموا بتلحين لحن "لأ مش أنا اللي ابكي" لمحمد عبدالوهاب، كل منهم بأسلوبه، كل من رياض السنباطي وكمال الطويل ومحمد فوزي وفريد الأطرش والمدرسة القديمة .

  2. مثال آخر نموذجي لشخص يقلد أسلوب قراء القرآن من خلال قصة بديعة اسماها "باص القرآن" تتضمن كل من محمد رفعت ومصطفى اسماعيل والحصري والمنشاوي  والطبلاوي وعبدالباسط ، واعتقد هذا التقليد (مدته دقيقتان ونصف فقط) قدم لنا خدمة عظيمة في بيان أسلوب كل قارىء من حيث طبيعة مد النغم وخامة الصوت والسير المقامي والقفلات بشكل فريد، حيث وبمجرد سماع أي منهم يقرأ القرآن مستقبلا ستعرفه فورا، وهذا العرض أفضل من البرامج التلفزيونية التي تناولت سيرة القراء مثل أصوات من السماء والسميعة وأنغام السماء وغيرها، التي تقتصر على السيرة الذاتية والاوصاف الانشائية التي لا تشكل معرفة موسيقية حقيقة عن شخصية القارئ .


كتابة: فهد الحمد