إدوارد هوپر .. هو فنان أمريكي واقعي وُلِد لأسرة متوسطة الدخل في الربع الأخير من القرن التاسع عشر في ولاية نيويورك.
اشتُهِر باسم فنان المساحات الخالية، وعُرِفَ عنه واقعية رسوماته و أشهرها "نايت هاوكس - صقور الليل" (مملوكة لمعهد الفن في شيكاغو Art Institute of Chicago) وهي اللوحة التي يظهر فيها مشهد لمطعم حقيقي موجود آنذاك وتم هدمه لاحقاً اسمه "فيليز" في طريق جرينتش Greenwich بمدينة مانهاتن ، عند ناصية شارعين متقاطعين خاليين تماماً من المارّة .. بآخر ساعات إحدى الأمسيات النيويوركية المعروفة بصخبها .. ويبدو في المطعم أربعة أشخاص مجهولين ، إمرأة و زوجها (او صديقها) بلحظة صمت و انعدام التداول الحواري فيما بينهما خاصةً ، و بين الزبون الثالث الجالس لوحده مُحتسياً شرابه بصمت و وِحدة في يسار اللوحة عامةً .. و سؤال النادل للزوجين الجالسين للتو على البار عن كيفية خدمتهما و يبدو الزوج بحالة مزاجية عكرة وهو يدخّن سيجارته و الزوجة تهم بقضمة من شطيرتها ..
تبدو الإمرأة الصهباء متشابهة لحد كبير في ملامحها مع زوجة الفنان نفسه واسمها " جوزفين - جو “ ، كان الفنان يتعمّد تجسيد شعوره الداخلي في أعماله ، وعندما سأله أحد المهتمين باللوحة عن تلك المرأة ما إذا كانت هي "جو" أم لا ، فأجاب بالنفي ! وقال طلبت من "جوزفين" الجلوس بتلك الوضعية لأرسم المرأة فقط دون تجسيدها شخصياً .
تتمحور اللوحة حول الحالة العامة للعزلة الفردية في المدن الشهيرة بقوة مدنيتها و تعداد سكانها الكثيف و " عصريتها "وانقطاع الفرد عن المجتمع المدني المشغول عادةً فيما يخصه بطابع الخوف من تدخل الاخرين في أَيٍّ من شؤُونِه .
العُزلة .. و الوِحدة و الغُربَة عنواناً لأَغلب رسومات "إدوارد هـوپر" وهي توقيعه الشهير بأعماله التي امتاز بها بذلك ، فيُجسّد التقوقع الفردي الداخلي وانقطاعه عن المجتمع العادي لأسباب سامية و متعالية عن السلوك العام يجدها في نفسه ترتكز على عدم الإندماج بذلك المجتمع المخالف لطبيعة النفس البشرية بممارسة فطرة الإنسان بالتواصل بين الأفراد بوديّة حوارية بعيدة عن الأعمال التجارية التي تزامنت مع وتيرة الحركة الإقتصادية الأمريكية المنتعِشة أحياناً و المتأثرة أحياناً كثيرة بالكساد وانعكاس ذلك سلباً على العامّة و بالمخالفة لطموحات "الحلم الأمريكي".
تساؤل بعد نظرة شاملة للوحة (zoom out ) :
ماسبب عدم الإندماج مع المجتمع ؟
أهوَ تعالي على الناس أو إحساس بالأفضلية الشخصية على الغير؟
أم أن السبب بكل بساطة هو عدم توافق فِكر الشخص المنعزِل عن غيره ؟
وما سبب ذلك اصلا إن كان ذلك الإحساس فعلاً يختلج صدر المُنعَزِل ؟
أم أن الأسئلة السابقة هي أسئلة إيحائية لتوجيه الإجابة لزاوية فكرية معينة تحديداً ؟
ممكن أن تكون الأسئلة السابقة إيحائية كونها محدّدة بزاوية ضايقة ما عدا الأول منها كونه سؤال عام ..
إدوارد هوبر بريشة إدوارد هوبر Self Portrait |