Friday, December 4, 2015

بليغ حمدي والتعبير الموسيقي عن جريمة القتل

بليغ حمدي 
   لِما كانت الجريمة تعكس الصفات الدنيئة والمتوحشة في أعماق النفس البشرية، لذلك تعتبر مادة "انثروبولوجية" خصبة للتعبير عنها في الأعمال الفنية المختلفة .
   
   فكلنا نعرف جرائم القتل المتسلسلة التي ارتكبت من قبل السفاحتين ريا وسكينة  وزوجيهما التي حدث عام 1920 في الاسكندرية بمصر، والتي تدور احداثها حول قيام تلك السيدتين مع اشتراك زوجيهما بخطف النساء وتخديرهن وسرقة ذهبهن وقتلهن، حتى اكتشفت تلك الجرائم وتم تقديم ريا وسكينة وزوجيهما للعدالة والحكم باعدامهم عام 1921(*)
  
ريا وسكينة
   وقُدمت هذه القصة عبر العديد من الأعمال الفنية القيّمة، من أبرزها: فيلم ريا وسكينة انتاج عام 1953 من تأليف الأديب نجيب محفوظ، وفيلم "اسماعيل يس يقابل ريا وسكينة" انتاج عام 1955 من تأليف استاذ الكوميديا أبو السعود الإبياري، ومسرحية "ريا وسكينة" انتاج عام 1983 من تأليف بهجت قمر واخراج حسين كمال.
  
    وتشترك جميع هذه الأعمال الفنية في تصوير مشهد واقعة تخدير المجني عليها من قبل ريا وسكينة في منزلها بعد اعطائها جرعة من الشراب المخدر، وكل ذلك يحدث اثناء الرقص حتى تتعب الضحية وتسقط وتُقتل، وفي مسرحية ريا وسكينة تم عرض هذا المشهد من خلال أغنية في غاية الروعة من نظم الشاعر الغنائي الفذ عبدالوهاب محمد :

الدور عليك الدور
موعودة ياللي عليك الدور
وضبوها وهيؤوها
ولعريسها جهزوها
وعدها لحديها جالها
باللي ما يخطر بباليها
بخروها لا تحسدوها
كنتي تايهة عنا فين
جايبك حسنك ده منين
ماشاء الله عالعينين
والخدود ولا الإيدين
يسلموا من خلفوها بخروها
حوطوها بالدفوف
سقفوا لها بالكفوف
قال على رأي اللي قال
مين يقدر ده الجمال
غير عيون بيتمنوها بخروها
بليغ حمدي يحفّظ عبدالمنعم مدبولي وشادية وسهير البابلي

   وهنا يا تُرى كيف يمكن تلحين وصياغة مشهد هذه الجريمة البشعة موسيقياً ؟ 

   فقلد قام الملحن بليغ حمدي (1932-1993) بتصوير هذه الكلمات بلحن عبقري، فنجده بدايةً استخدم ايقاعاً شعبياً -وهو على دراية عميقة بذلك- المسمى "بالملفوف" ميزانه ( 2/4 )  ويتكون من 2 وحدة زمنية فى المازورة الواحدة ( دُم ، إس ، تك ، تك )، وهو ذو طابع راقص وقام بليغ حمدي بتسريع الوزن حتى يتناسب مع سرعة ارتكاب الجريمة وللتعبير عن النص الشعري الذي يبدأ "الدور عليك الدور" 
   
 والمقدمة الموسيقية - مقام الراست على درجة "فا" لتتناسب والطبقة العالية لصوتي شادية وسهير (فا-صول-لا نصف بيمول-سي بيمول-دو-ري-مي نصف بيمول-فا)-
 تدل على النمط السكندري حيث تبدأ بآلة الاكرديون وتعزف جملة موسيقية بسيطة، وبعدها يدخل الكورال بجملة "الدور الدور الدور موعودة عليك الدور" من قرار الراست في دراجته الثلاث الأولى بطريقة صوفية والذي يؤكد على اختيار الضحية محل الجريمة.

   ثم يبدأ الكوبليه الأول بغناء الفنانة شادية  حين تطلب من شركائها في الجريمة "وضبوها وهيؤوها ولعريسها جهزوها" عن الضحية في مشهد يقطر جمالاً من مقام الراست.

   أما الكوبليه الثاني فلقد عمل بليغ حمدي تلوين مقامي للتعبير بذكاء عن لهفة سهير البابلي لقتل الضحية من مقام السوزناك الذي يتكون من جنس راست وجنس حجاز في جملة
 "كنتي تايهة عنا فين"
ووصف اجزاء جسمها:
 "جايبك حسنك ده منين
ماشاء الله عالعينين
والخدود ولا الإيدين"

  فهل يتصور أن الموسيقى ممكن أن تعبر عن جريمة قتل بشعة بهذه الصورة الجمالية الرائعة !



سهير البابلي وشادية وعبدالمنعم مدبولي 




___________________________________

(*) ظهر حديثاً اتجاه يؤكد على براءة ريا وسكينة - السيناريت أحمد عاشور - انظر http://qaz.am/GZlRr

No comments:

Post a Comment