Sunday, November 8, 2015

مرزوق المرزرق السهل الممتنع .. أسلوب البوليفوني والكاونتربوينت في لحن مدوا السواعد



مرزوق المرزرق
2000-1946




  من الممتع حقاً تذوّق أعمال هذا الفنان العبقري الذي له أسلوب متميز في صياغة ألحان كويتية ثرية في قوة جُملها اللحنية التي تعبر بقوة عن الروح الموسيقية الكويتية الشعبية، وبناء ألحان عصرية على ايقاعاتنا التراثية بناءً رصيناً ومحكماً، وذلك لانه بكل بساطة هضم جميع الفنون الكويتية القديمة التي سبقت جيله، وهو بذلك يختلف عن ملحني اليوم الذين يعتقدون انهم يصيغون ألحان مبنية على ايقاع كويتي كالحدادي المخالف أو السامري، لكن يغفلون جانب مهم؛ التعبير اللحني عن مكنون الايقاع نفسه، فلن تشعر بالفرق اذا تغّير ايقاع السامري النقازي واستبداله بايقاع الوحدة الكبيرة مثلاً في اللحن الواحد، فكلاً منهما ذو وزن رباعي لكنهم يختلفون في التفاصيل الداخلية، فيتحتم على الملحن المثقف أن يدرك تلك الخصائص الايقاعية حتى يبني عليها لحناً يتماشى معها ويعبر عنها.
من الألحان الرائعة للعبقري المرزوق هو لحن "مدوا السواعد" من أداء فرقة التلفزيون على ايقاع الخماري الذي يعتبر من الايقاعات الثقيلة (وزن 8/4)، للتعرف على تفعيلة الايقاع https://www.youtube.com/watch?v=lcmi7plL-ac

  يبدأ اللحن المرزوقي في مقدمة مرسلة (بدون ايقاع) من مقام نهاوند على درجة الفا (فا -صول- لا بيمول- سي بيمول- دو- ري بيمول- مي بيمول- فا)، وهنا يستخدم مرزوق المرزوق اسلوب البوليفوني (polyphony) عبارة عن خطين لحنيين مختلفين متزامنين، تبدأ الكمنجات في عزف جُملة في غاية الشجن وتصابحها التشيولوهات فتبدو لنا صورة هندسية تقطر جمالاً، وتنتهي المقدمة المرسلة عند بداية دخول ايقاع الخماري (تك تك) وهنا لاحظ عزيزي القارئ ثقافة الملحن وادراكه لهذا الايقاع، حيث جعل توقيع الآلات الموسيقية على وزن الخماري للتأكيد عليه ولجر المستمع نحوه، ومن ثم ينساب اللحن حتى ينتقل الى جنس بياتي على درجة الدو (دو- ري مي نصف بيمول- مي بيمول) وعزف جملة تطريبية متخلخلة بسولو على الكيبورد، وبعدها تدخل حناجز فرقة التلفزيون وتؤدي الغناء الذي يتميز فيه الراحل مرزوق عبر صياغة جُمل صعبة من حيث المد والزخارف الداخلة فيها وطريقة القفلة، ولكنها تبدو في مجملها سهلة وبسيطة، فمن الصعوبة تلحين جُملة موسيقية تطريبة الى حدٍ تميل به الرؤوس وتصفو به النفوس وتؤدَّى بالغناء الجماعي، بالاضافة الى الروح الكويتية المرصعة في هذا اللحن القيّم،

  
تقول مطلع القصيدة: 

اي بالله
مدوا السواعد مثلنا
نبني القواعد حولنا
الكويت صاعد بالمنا
والعيد قاعد بيننا

  تبدأ الجُملة الغنائية على الدرجة الثالثة من مقام نهاوند الفا ... "اي بالله" مقسمة كالآتي: اي (لا بيمول) ب (سي بيمول) الله (دو) هنا يمد كلمة "الله" ويزخرفها بشكل تصاعدي على الى جنس بياتي الدو، ويدخل على "مدوا السواعد مثلنا" حتى يصل الى جواب الفا ويعيدها مرة أخرى بشكل مختلف بأسلوب تطريبي جداً، وعندما يختمها في المرة الثانية تمتد أصوات اعضاء الفرقة عند كلمة "السواععععععععد" على درجة الدو وقبل أن تنتهي تلك الجملة تدخل أصوات مجموعة أخرى وتقول جملة "نبني القواعد" على نغمة المي بيمول في نفس اللحظة، فعمل هنا المرزوق (counterpoint) الحركة الغربية لإضفاء لمسة جمالية تزبد من ثراء اللحن من خلال ملامسة الدو والمي بيمول معاً، ويتكرر هذا الأسلوب في الغناء عندما تتداخل مجموعتين كورال فرقة التلفزيون عند مقطع "اي بالله" فتقول وحدة من مجموعة الكورال "الله" على نغمة الدو، والمجموعة الأخرى على نغمة اللابيمول، ثم تدخل أبيات شعرية مختلفة على نفس اللحن .

 

يتحتم علينا الوقوف احتراماً وتقديراً لهذا العمل الراقي الذي يعتبر ايقونة تجديدية في الاغنية الكويتية، فلا شك ان الاستاذ مرزوق المرزوق طوّع ثقافته الموسيقية وموهبته الفذة في تطوير الاغنية الكويتية تحت مظلة تراثنا الأصيل، رحمة الله عليه.
https://www.youtube.com/watch?v=lcmi7plL-ac

No comments:

Post a Comment