Sunday, November 8, 2015

تحفة سنباطية عاطفية



رياض السنباطي
1981-1906


نظراً للعلاقة الروحية التي تربطني بالملحن رياض السنباطي رحمة الله عليه، تجري موسيقاه العمودية مجرى الدم في شراييني وتجول ألحانه الرصينة في وجداني. 

  أود أن أسلط الضوء على جمالية مقطع لحني قصير من شلالات عم (أبي أحمد) المتفقة بالنغم والطرب، لكن قبل الخوض في ذلك، تجدر الإشارة الى ان رياض السنباطي وصل بأعظم مطربة في التاريخ العربي “ام كلثوم” الى مرحلة لم يصلها أي ملحن آخر معها، فهو المتربع على عرش القصيد وكما قالوا السميعة قديماً :“اذا أردت أن تتكلثم فتسنبط” وأضف عليها: “التسنبط شعلة التكلثم"، ولقد تجاوزت ألحانه لها التسعين عمل، وهذا العدد يعادل ألحانه التي قدمها خارج البلاط الكلثومي.

  مثال ذلك هو اللحن العاطفي "عايزة قلبك” للمطربة فايدة كامل الذي اعتقد انه عُمل في بداية ستينيات القرن العشرين ومن نظم الشاعر الغنائي الكبير حسين السيد، تقول كلماتها:

عايزة قلبك المليان حنان
عايزة أسمع كلمة لما تقولها أقولك قول كمان
عايزة أحس انك حاميني
عايزة أشعر بالأمان
عايزة قلبك عايزة حبي بتاع زمان
عايزة قلبك المليان حنان

  يتضح ان الشاعر يصف لنا حالة امرأة قد مضى عليها الزمن وهي تشتاق على الى عشيقها بلهفة وشعروها بالضياع والعصف النفسي المضطرب، فهي في أشد الحاجة الى حنانه أو حبه … إلخ.

  وهنا تظهر عبقرية الأديب رياض السنباطي، فكيف يمكن أن يصوغ لحن يعبر عن حالة وشعور تلك المرأة الشغوفة؟

  مقدمة اللحن [طقطوقة] مرسلة تبدأ بدخول الكمنجات والتشيلوهات بتقنية (Tremolo) اي هز القوس بسرعة وهذا يوحي بطابع الضياع والحيرة والاضطراب احياناً، على نغمة الصول (ركوز مقام كرد النوا) واثناء ذلك يدخل القانون مصاحباً للتشيلو في عزف جُملة حزينة، ثم تعاد عزف الجملة بكامل الفرقة، وبعدها يبدأ مطلع الاغنية بصوت فايدة كامل ذو البحة الخاصة [الذي زاد من جمالية العمل] وتغني مطلع الشعر ببداية مرسلة وهنا يظهر أسلوب رياض السنباطي المعتاد وهو البدء في أول درجة من المقام وهي الصول والحركة في أول خمسة درجات في غاية الشجن والرومانسية حتى يلمس الدرجة السادسة وهي المي ويقف بالجملة عند “قول كمان” في الدرجة الخامسة ري، وفي هذا المقطع يبين السنباطي مشاعر خجل المرأة في طلبها بداية الأمر وفجأة تنفجر عاطفتها ويدخل الايقاع الموقع على الوحدة الكبيرة 4/4 ويبدأ تدفق السنباطي اللحني الخصب (المذهب .. وهو برأيي أجمل ما في اللحن) معبراً عن حاجة تلك المرأة الى الحماية والأمان وينتقل بعدها السنباطي الى جنس البياتي على الدرجة الخامسة (ري) بوَجد ورومانسية عند مقطع “عايزة قلبك عايزة حبي بتاع زمان” حتى يصل الى جواب الصول ذروة المقام بأسلوب تطريبي وتعبيري في نفس الوقت، ثم يرجع بطريقة باكية وجميلة وشجيةً جداً الى جنس الكرد بقفلة حارة بكل ما تمثله مدرسة السنباطي اللحنية “عايزة قلبك المليان حنان”.

https://www.youtube.com/watch?v=OBf_GYNx5yY

ملاحظة: التسجيل مرفوع نصف درجة أي
 على درجة صول دييز .

No comments:

Post a Comment